الانتماء مطلوب ، التعصب مرفوض !!
البعض يعتز بانتمائه اللغوي و يفتخر به على عموم الناس و آخرون يعتزون
بالانتماء القبلي ، و هناك من يفتخر بالانتماء إلى الوطن أو المدينة أو حتى الحي
الذي ترعرع فيه و قس على ذلك باقي الانتماءات .. لاشك أن كل انتماء فهو شيء طبيعي
و يبقى أمرا محمودا إن استثمر في مكانه الصحيح ، حيث يؤدي في هذا الاتجاه إلى
تقوية روابط المحبة بين أبناء النسيج الاجتماعي الواحد، هذه الروابط تخلق نوعا من
التكافل و التضامن تجعل من الفرد خادما لجماعته و لا يربح من وراء هذه الخدمة التي
يقدمها سوى إشباع غريزة الحب التي تتملكه تجاه هذه الجماعة التي يعتبر نفسه جزءا
منها، و الأمثلة التي تؤكد هذا الطرح كثيرة نأخذ منها على سبيل المثال : التضحيات
التي يقدمها بعض الأشخاص من أجل خدمة اللغة التي ينتمون إليها ، حيث تجدهم يبذلون
الغالي و النفيس من أجل النهوض بلغتهم ، و لا يألون جهدا لذلك سواء عبر الدعم
المالي أو تخصيص أوقات من حياتهم لتطوير الأبحاث و تأليف الكتب التي من شأنها خدمة
لغتهم. و في نفس الإطار يستوقفني مثال آخر يتعلق بالجهود التي يبذلها أي مشجع يعشق
فريقا معينا ، فهو يسافر مع فريقه أينما حل و ارتحل ، و يخصص الأوقات الطوال
لتهييء الوسائل التي من شأنها تحفيز اللاعبين على الانتصار ، و في الأخير لا يجني
هذا المشجع العاشق سوى نشوة الانتصار التي تغنيه عن أي ربح مادي .
لكن في في المقابل، إن تجاوز هذا الانتماء حده المعقول يتحول إلى
تعصب مقيت يجعل صاحبه يقصي باقي الأطراف و يعتبر مجموعته التي ينتمي إليها الأحق بكل
شيء ، إنه تعصب " نحن " الذي
يخفي أمراض " الأنا " و عجزها عن إثبات ذاتها.
فالعديد من الناس يلجؤون إلى وسائل الإقصاء لتنحية أي جماعة يعتبرونها
تهدد كيانهم ، و تتفاوت هذه الوسائل بين نشر الأكاذيب و التضليل الإعلامي للنيل من
الجماعات المخالفة أو الهجوم على
المخالفين بالألفاظ النابية ، بل قد يصل الأمر في كثير من الأحيان حد
التعنيف الجسدي و لربما وقعت حروب طاحنة من أجل هوية مزعومة و ثقافة موهومة .
و الأمثلة تسعفنا كثيرا في هذا الباب، فالصراع الذي يحدث مثلا على
الحدود التركية بين الجيش التركي و المسلحين الأكراد - الذي يسعون إلى إقامة دولة
على أساس لغوي- ما هو إلى تجلي من تجليات التعصب
إلى اللغة الذي يتملك الطرفين معا ، فلا الدولة التركية استطاعت استيعاب العنصر
الكردي في منظومتها السياسية و لا الأكراد استطاعوا الاندماج في هياكل الدولة،
الشيء الذي يستنزف الطرفان معا دون إيجاد الحل.
و هناك صراع من نوع آخر يحدث في عالمنا المعاصر و هو التعصب للفرق
الرياضية الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتشار الشغب و العنف بين جماهير
الفرق المتنافسة ، و ما يحدث في الدوري المغربي من الاعتداء على الجمهور المنافس و
اللاعبين بالضرب و الجرح بالإضافة إلى تكسير حافلات الخصوم و الاعتداء على كراسي
الملاعب و استخدام الألفاظ الخادشة للحياء، كل هذا ، يدخل في نطاق التعصب الأعمى
الذي يغشى فئات عريضة من الناس.
عزالدين عيساوي
تعليقات
إرسال تعليق