تبريرات واهية لخذلان الثورة السورية !


مضى من الزمن أكثر من سنتين و نصف، و الشعب السوري يعاني  التقتيل في أبشع صوره و التهجير في أقسى  أشكاله ، كل هذه المعاناة هانت  عند السوريين في سبيل تحقيق حريتهم و التخلص من نظام مجرم جثم على صدورهم منذ انقلاب الثامن من مارس سنة 1963.
فالسوريون كانوا عازمين منذ البداية على بذل الغالي و النفيس من أجل إسقاط  نظام الطاغية بشار، حيث  كانوا مدركين لحجم الضريبة التي وجب عليهم تأديتها حتى ينعموا بالحرية و العدالة الاجتماعية .  فإدراكهم لهذه الحقيقة لم يأت من فراغ ، فهم يعرفون جيدا طبيعة النظام الدموية  ، حيث سبق لهذا النظام أن ارتكب مجازر كثيرة في حق الشعب السوري في عهد الملعون حافظ الأسد،  و لعل أشهر هذه المجازر : مجزرة حماة التي وقعت سنة 1982 و  راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأهالي  في إطار حملة عسكرية شنها النظام على المدينة.
إذن فالشعب السوري كان واعيا بخطورة الذهاب في طريق الثورة، لكن مع ذلك اختار التضحية على الركوع و الخنوع ، فالثوار السوريون رفعوا في البداية شعار : الموت لا و المذلة ، في إشارة منهم إلى انتهاء عهد الخضوع و بداية فجر الحرية  مهما كلفهم ذلك من ثمن.
لست هنا في معرض التعريف بالثورة السورية فهي تحكي عن نفسها و عن شموخ أبنائها ، و إنما قصدت التمهيد لموضوع المقال الذي سيتناول بإذن الله الموقف الذي اتخذه بعض المتخاذلين إزاء ما يجري في سوريا ، حيث تجدهم يحجمون عن دعم الثورة السورية  بمبررات و حجج واهية . 
و لنشرع الآن في تقديم بعض التبريرات التي يسوقها هؤلاء و الرد عليها واحدة تلو الأخرى :

-         مؤامرة دولية للقضاء على نظام الممانعة :
بعض الناس يحجم عن دعم الثورة السورية بحجة أن هناك مؤامرة دولية لتدمير سوريا و تضعيفها ، خاصة أنها لعبت دورا مهما في مقاومة الكيان الصهيوني . إن وجود المؤامرة لتقسيم سوريا و بقية الدول الإسلامية أصبح أمرا معروفا و لا ينكره إلا جاحد ، لكن السؤال المطروح : هل مواجهة المؤامرة الغربية يكون على حساب حرية الشعب السوري؟ و لماذا لم يقم النظام السوري بالاستجابة  لمطالب شعبه حتى يخمد نار الفتنة  و يتجنب بالتالي السقوط في شراك هذه المؤامرة ؟
إن خروج مئات الآلاف من السوريين في مختلف  المحافظات السورية  للمطالبة بالتغيير كان يؤشر على نفاذ صبر الشعب على الطغيان و الظلم الذي عاش تحت لهيبه  قرابة الخمسين سنة . إذن  لا يمكن اتهام كل تلك الحشود بالعمالة  و العمل لصالح أجندات أجنبية . كما أن النظام السوري لم يكن مقاوما كما كان يروج بل  الضامن لأمن اسرئيل منذ  حوالي 40 سنة ، فمنذ حرب 1973 لم يوجه النظام أي صاروخ أو حتى  رصاصة تجاه اسرائيل رغم أن جزءا كبيرا من الأراضي السورية ما يزال محتلا من قبل الكيان الصهيوني.  فهذا النظام الممانع الذي منع كل مكروه عن الكيان الصهيوني استخدم أعتى أنواع الأسلحة لقصف شعبه بدعوى وجود مجموعات مسلحة . فهل هذه هي المقاومة التي لطالما تغنى بها مناصروه ؟
أدرك أن المعادلة في سوريا صعبة و تتشابك فيها عدة أطراف لها مصالحها الخاصة . لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح  : ما هو موقفنا نحن تجاه هذا الوضع الشاذ و الخطير ؟ هل ننصر بشار السفاح ؟ هل نبقى متفرجين على مشاهد القتل و الدمار ؟ هل ننصر الشعب المغلوب على أمره ؟ أريد حلولا عملية و ليس مجرد انتقادات لا تسمن ولا تغني من جوع.

-         خروج الثورة عن سلميتها  :
البعض يرى بأن الثورة السورية خرجت عن سلميتها و بالتالي زاغت عن مسارها مما يجر البلاد إلى فتنة يصعب حلها بالسلاح. يبدو من الوهلة الأولى  أن هذا الرأي معتبر، حيث إن السلمية أطاحت بعدة أنظمة في العالم العربي و كان بإمكانها الإطاحة  بنظام بشار الأسد . لكن الدارس للحالة السورية يكتشف أن النظام السوري الدموي لا يمكن أن يسقط بالهتافات و الشعارات السلمية لأنه بكل بساطة نظام قمعي دموي ، فالسوريون وُضعوا بين خيارين أحلاهما مر : إما البقاء في منازلهم و العيش تحت رحمة نظام غاشم يحبس الأنفاس، أو الخروج  و التضحية أملا في الحصول على الحرية ، و يبدو أن الشعب السوري اختار الخيار الثاني رغم صعوبته و تكلفته الغالية . فإذا كانت الشعوب العربية التي قامت بالثورات قد رفعت شعار   : الشعب يريد إسقاط النظام ، فإن الشعب السوري رفع شعار : الموت و لا المذلة.

-         جبهة النصرة :
هناك فئة من الناس تصور الصراع في سوريا على أنه صراع بين النظام من جهة ، و بين تنظيم القاعدة ممثلا في جبهة النصرة. و الحقيقة أن هذه الجبهة  ما هي إلا فصيل صغير من بين الفصائل الكثيرة الموجودة على الساحة . فالغالبية العظمى من الشعب السوري لا تؤمن بفكر القاعدة و بالتالي لماذا التضخيم من قيمة هذه الجبهة؟
 أمريكا هي التي حاولت تضخيمها و ذلك حتى تجد مبررا لعدم تسليح المعارضة لأنها لا تريد انتصارا حاسما للثورة و إنما إطالة أمد الصراع من أجل إنهاك الطرفين و فرض سياسية الأمر الواقع.
فالجماعات التي يسميها البعض أجنبية لم تدخل سوريا إلا بعد أن أفرط النظام في قتل شعبه . هم لبوا نداء النصرة . يقول الحق سبحانه و تعالى : ( و إن استنصروكم  في الدين فعليكم النصر ). فهنيئا لطلائع الجهاد التي هبت لنصرة المسلمين و الخزي و العار للقاعدين الخالفين المرجفين الذين يخشون حتى قول كلمة الحق و تراهم يهتكون أعراض المجاهدين و العلماء . لم أكن أتصور أن يأتي زمان يتطاول فيه الهمج الرعاع على خيرة دعاة و علماء الأمة.

-         حرب أهلية :
هناك قسم من الناس  يصنفون ما يقع داخل سورية ضمن خانة الحرب الأهلية . فالحرب الأهلية كما هو معروف في الأدبيات السياسية تدور بين  مكونات  مختلفة  من السكان داخل دولة معينة ، و أسباب هذه الحرب، قد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو إقليمية أو مزيج من هذه العوامل. فهل هذه الأوصاف تنطبق على الحالة السورية ؟
 إن ما يجري في سوريا ليس حربا أهلية كما يريد البعض أن يصورها ، و ليست أزمة داخلية كم يفهم البعض الآخر ، و إنما صراع بين حاكم مستبد بغى على قومه  و استعبدهم و بين شعب مقهور يتطلع إلى كرامته التي ضاعت منذ أزيد من 50 سنة . و ما يعزز هذا الكلام هو مشاركة كل طوائف سورية في الثورة و ما جعلهم يتوحدون هو رفض الظلم و الاستبداد و السعي إلى تحقيق الحرية.
إن هذه التبريرات و غيرها التي يتمسك بها البعض لخذلان الثورة السورية تحجب عنهم حقيقة ساطعة و هي أن هناك شعبا ضاق ذرعا بالظلم و خرج لينال حريته، و أنه ضحى بالغالي و النفيس و ما يزال مستعدا لمزيد من التضحية . الحرية ثمنها غال و لن يؤدي ذلك الثمن إلا الأحرار أما العبيد فإنهم يبحثون عن الراحة مع التزام الصمت و الخنوع.
عزالدين عيساوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرياضة تهذيب للنفوس قبل الفوز بالكؤوس

العلمانية لا مكان لها بيننا

حركة 20 فبراير تكرس الاستثناء