كرامة الأستاذ و الدستور الجديد


جاء في الفصل 22 من الدستور المغربي الجديد ما يلي : " لا يجوز المس بالسلامة الجسدية  أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، و من قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية . ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، و من قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون. "
عندما قرأت هذا الفصل من الدستور اعتقدت أنه يعبر فعلا عن مغرب جديد، الذي لطالما كان يحلم به إخواننا المغاربة الذين سبقونا في النضال ،  الذين عانوا الأمرين في عهد الرصاص الحي، لكن حينما  ذهبت إلى الرباط من أجل خوض مسيرة سلمية رفقة الأساتذة الذين أتوا من مختلف ربوع المملكة لتخليد الذكرى الأولى لليوم الوطني لكرامة الأستاذ، الذي يصادف 26 مارس من كل سنة، حينما فعلت ذلك، إذ بي أتفاجأ بجيش من المواطنين المغاربة الذين لا يشبهوننا نحن الأساتذة، فنحن نرتدي لباسا أبيضا يرمز إلى الأمن و السلام ، لكن هم يرتدون ألبسة زرقاء و خضراء كأنهم يستعدون لشن هجوم خاطف على عدو مفترض.  نحن نحمل الطبشور لنحارب به غشاوة الجهل ، لكن هم يحملون أسواطا و عصيا مثل أذناب البقر ليحاربوا بها من علمهم بالأمس القريب كيف يمسكون القلم بأيديهم. هم يتلقون الأوامر العليا لتكسير العظام و الجماجم و يتسابقون لتنفيذها  لينالوا رضا أسيادهم، لكن نحن ملوك في أقسامنا، أحرار لا نرضى بالذل و الإهانة حتى ولو كسروا عظامنا  أو داسوا على جماجمنا. هم يسبوننا بأقبح الألفاظ و يشتموننا بأرذل الكلام، لكن نحن نرد عليهم بابتسامة تكاد تحي قلوبهم الميتة من جديد . هم يبحثون في المجتمع عن لقمة العيش و هذا حقهم، لكن نحن نبحث عن السبل الكفيلة بإصلاح هذا البلد الذي ضرب فيه الفساد جذوره. هؤلاء المواطنون المغلوبون على أمرهم دائما ما يستعلمون كأداة لقمع الطبقات الشعبية المسحوقة،  و لست أدري كيف للأكثر سحقا  أن يسحق أخاه المسحوق .
وطني الغالي، هل أنت مريض؟ سؤال غريب نوعا ما، لكنه منطقي . فالوطن أصبح مريضا بداء انفصام الشخصية،  فمن جهة نسمع الشعارات الرنانة في قنواتنا التلفزيونية و نجد  الدستور  - على علله الكثيرة – مليء بالقيم السامية التي تسعى إلى حفظ حقوق الإنسان و صون كرامته. و من جهة أخرى، تعمل أجهزة الفساد على دوس كرامة المغربي و العبث بمقدراته تحت ذريعة الحفاظ على الأمن . ذلك الأمن الذي نبحث عنه بشق الأنفس  ليحمينا عندما نتعرض إلى السرقة أو الاعتداء من قبل قطاع الطرق و لا نجده، لكنه يظهر بقوة ليواجه كل من تسول له نفسه أن يصرخ للمطالبة بحقه.
وطني الحبيب، اكتشفت بعد طول تفكير، أنك تعاني من عطش مزمن، و أن ظمأك هذا لا يمكن أن يروى بالماء عديم اللون، بل يحتاج إلى سائل ملون بالأحمر ، ذلك السائل الذي تدفق من أجساد الأساتذة يوم السبت 26 مارس 2011، و عاود التدفق يوم الاثنين 26 مارس 2012، لكنه لم يكفك بل ربما تحتاج إلى كميات كبيرة منه . فلا تقلق، أيها الوطن، سنرجع مرة أخرى إلى الرباط في 26 مارس أخرى و سنمدك بقطرات أخرى من السائل الأحمر حتى تشفي غليلك.
عزالدين عيساوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرياضة تهذيب للنفوس قبل الفوز بالكؤوس

العلمانية لا مكان لها بيننا

حركة 20 فبراير تكرس الاستثناء